المتابعون

الجمعة، 25 ديسمبر 2015

دافور

قبل عام نشرتُ هذا المقال، ولمناسبته الآن أعيد نشره هنا:


     "دافور" كلمة تتكرر كثيرا عند الدنو من الاختبارات، ولست بصدد البحث 
عن أصل هذا المصطلح العجيب؛ ولكن ما تجدر الإشارة إليه أنه مصطلح يدل على 
كراهية مجموعة لا يستهان بها للموهوبين وحتى لأرباع الموهوبين وربما لمن 
يحاول أن يجتهد!

   الغريب أنه بناء على الدعوات المتكررة لمساوات الرجل بالمرأة انتشر 
بينهن مصطلح "دافورة" وهو مطابق تماما لمدلول المصطلح الذكوري سابق الذِكر!

   ولعل ما يحزن هم أولئك "الدوافير" الذين قدَّر الله عليهم أن يُخلَقوا بين 
قوم أغبياء أو متغابين أو متعاطفين مع الأغبياء أو معتادين على التعايش مع 
الأغبياء فباتوا يرون "الدافور" كائنا غريبا مزعجا تقتضي المصلحة العامة 
إِمّا التخلص منه أو تحويله إلى "دافور" صَدِئ مُحَطَّم لا شعلة له!

   وهكذا يجب أن يعيش "الدافور" في مرحلة عدم اتزان نفسي ولا فِكْري مترددا 
حائرا بين أن يبقى "دافورا" يقاوم محاولات الإطفاء، وبين أن يستخدم 
"التقية" فيعزو إنجازاته إلى الحظ فقط وإلا فهو أصلا كغيره "من جَنْبها"، 
وبين أن يقرر إطفاء نفسه قبل أن يحدث ما لا تُحمَد عقباه على طريقة "بيدي لا 
بيد عمرو"!

   في كل فصل أو قاعة تجد بضعة "دوافير" مطرقين خائفين حتى من عيون 
الحاسدين، لهم اهتماماتهم الخاصة، متعمقين في موادهم، حريصين على كسْب 
المزيد من المعارف وعلى كسْب رضا أساتذتهم، بعيدين عن تفاهات الآخرين، 
يترفعون عن أساليب الغش الرخيص، مرتبين في أعمالهم.

   إنها مهارات لا تروق لأكثرية ساحقة تسحق كل مَن يَنشد التميز أو يحلم به، 
لذلك على كل ناشئ أن يبلع العافية ولا يفكر أن يحلم بأن يكون "دافورا" في 
يوم من الأيام، ويترك قمم المجد لغيره من أبناء الجنسيات الأخرى!

   "الدوافير" مخلوقات تعيش بيننا مضطرة، وإلا فإن مقر سكنها المناسب هو 
القمم، وهي تقتات على أنواع مختلفة من المعارف، قد تعيش منفردة وليس 
بالضرورة أن تؤمن بنظرية القطيع، أشد أعدائها ليس نظراءهم من بقية المحيطين 
بهم فحسب، ولكن مَن يظنون أنهم يجدون بغيتهم عندهم، وهم المعلمون!

   معروف أن "الدوافير" يُكثرون الأسئلة، ولأن بعض المعلمين وأساتذة 
الجامعات لا يمتلكون حصيلة ثقافية جيدة أو لا يتمكنون من استحضار المعلومة 
وقت أن تُطلب منه، ولأن أكثرنا يستنكف من عبارة "لا أدري"؛ فإن الإسكات 
والتبكيت والاستخفاف هي إحدى مكونات الريح العاملة على إطفاء وإكفاء هذه 
"الدوافير"!

   ويأتي الاختبار لتكون مهمة "الدافور" هو نجدة غيره، وإذا لم يقم بهذا 
العمل المفروض عليه فرْض عَيْن على الفورية؛ فإنه سيوصم بعدم الخيرية "ما فيه 
خير" "ما هو رَجّال" "خواف"... ، ويمكننا تأنيث هذه الألفاظ حفاظا على حقوق 
"الدافورات".

   خارج الصف أو القاعة يتعرض هذا "الدافور" قليل الحَول إلى التحرش لكسر 
عيْنه فهو متهم بالأنوية والتعالي؛ يُتَحرَّش به ليستجيب لكافة طلبات الكاسرين 
الكاسلين إما في حل الواجبات أو وقت الاختبارات!، وهكذا يترك "الدافور" 
مكرها حُلم سكنه للمتعملقين المتسلقين المتحذلقين "بتوع التلات ورآت"!

   بناء على هذه المأساة المتكررة والتي تكاد تكون واقعا في كل صف؛ فإني 
أقترح في كل بلد عربي إنشاء هيئة "للدوافير" تأخذ على عاتقها المهام التالية:
 1 - وضْع تعريف مناسب "للدَوفَرة"، وتصنيفها من حيث العمر والاهتمامات.
 2 - التنقيب عن "الدوافير" في كل مكان وليس في الصفوف الدراسية فقط ولا 
بين الصغار؛ إذ ما أكثر "الدوافير" الكبار المغمورين!
 3 - تأمين احتياجات الدوافير ولا سيما المعرفية منها.
 4 - استحداث فرْع لها في كل دائرة حكومية وقطاع خاص.
 5 - سَنُّ قوانين لحماية "الدوافير" من الإطفاء والإكفاء.
 6 - المناداة بإنشاء اتحاد "للدوافير" العرب يكون نواة لتأسيس الاتحاد 
العالمي "للدوافير".

   وطنٌ بلا "دافور" يجعله أَشْبه بِ "دارفور"؛ فقراً وجهلاً وخوفاً ومرضا؛ مع 
أني مؤمن تماما أن في "دارفور" ربما ملايين "الدوافير"؛ ولكنَّ ظروفا متشعبة 
تمنع من الاشتعال وإضاءة طريق التقدم لهذا البلد العزيز علينا، ولعل هذا من 
الأوليات الواجبة على اتحاد "الدوافير" العرب.

   يقول أقطاب التربية والتعليم: كل إنسان قابل للتعلم. ويرون أن من أبسط 
تعريفات التعليم أنه مساعدة الطالب على التعلم؛ فإن لم يساعدك أحد فإن 
شعورك بآدميتك يدلك على أن في كل منا "دافورا"؛ فابحث عنه في دهاليز قدراتك 
المكنونة، انفض عنه الغبار وأشعله عزيمة وإرادة وانطلق.

   الأمر أيسر مما تتصور؛ سواء كنتَ "فرفورا" أو "هاْمورا"؛ فهل تمنيت أن 
تكون "دافورا"؟، وهل لديك القدرة على التعامل مع زملائك "الدوافير" على 
قاعدة المنافسة الشريفة؟.

   اللهم: إني أسألك "دوافير" عملاقة تزيد وطننا إشعاعا ولمعانا ومقاومة 
لريح التثبيط ورافعة لمكانته في كوكب الأرض المعتم أصلا.


 كتبه محب "الدَوْفَرة": أبو اللَيثِ عبدُُ العزيزِ بْنِ صالحٍ الحَسَنِيُّ الزَّهْرانيّ.
صبيحة الأربعاء التاسع من ربيع الأول من عام ستة وثلاثين وأربعمئة وألف 
الهجري، الموافق للحادي والثلاثين من ديسَمبر من عام أربعة عشر وأَلفَين الإفرنجي.


 رابط المقال على صفحتي في الفيسبوك:

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=827328483996785&id=100001589237614 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق