عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة». [رواه مسلم].
ههي ذي استفاداتي من هذا الحديث العظيم:
1- حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تَفَقُد أحوال صحابته رضوان الله عليهم؛ ولا سيما الإيمانية؛ أوليس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلم الناس الخير.
2- في حرصه -صلى الله عليه وسلم- على صحابته -رضوان الله عليهم- دليل على رحمته بأمته: [بالمؤمنين رؤوف رحيم]؛ إذ إن هذا الحرص لا يقف عند عهد الصحابة؛ بل يمضي إلى أن تقوم الساعة؛ لأن هذا الحديث ستكثر روايته ويُعلَم بالضرورة أن الخير عام دلنا عليه خير الأنام؛ والحمد لله.
3- ترغيبه -صلى الله عليه وسلم- في الأعمال الصالحة باستخدام السؤال البادئ حوارا مثيرا والمشتمل على الأعمال الصالح من أفضل طرق إكساب الخبرات التربوية بأسلوب أكثر قُربا وتَحبُّبا، وفي ذلك درس مهم للمعلمين في التمهيد لما يرغبون إكسابه طلابهمة.
4- النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سأل وجب على مَن لديه الجواب أن يجيب؛ فطاعته -صلى الله عليه وسلم- من طاعة الله، قال تعالى: [من يطع الرسول فقد أطاع الله].
5- جواز المبادرة بالجواب على سؤال ولي الأمر إذا سأل عمن قام بعمل صالح وإن تعددت السؤالات أو سكت الحاضرون وأن ذلك ليس من الرياء؛ إذ إن أبا بكر الصِديق -رضي الله عنه- لم يعلن عن عمله حتى سئل.
6- تكرار كلمة اليوم في كل سؤال يسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على يُسر العمل على مَن وفقه الله إليه، وفيه بشارة لمن أراد الجنة أن الطريق إليها ممهد.
7- في سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- بِتْكرار مَن مسبوقة بحرف الفاء ثم تعليقه -عليه الصلاة والسلام- على اجتماع هذه الأعمال دليل على حب الخير لأمته؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم- يستزيد من فضائل الأعمال السهلة رغبة في الوصول بصاحبها الموفَق إلى نيل الجائزة الكبرى، ولا أحسب صحابته -رضي الله عنهم- الجالسين حوله -صلى الله عليه وسلم- إلا مصغين ومتشوقين إلى المزيد؛ ليفاجئهم -عليه الصلاة والسلام- برسم نهاية سعيدة لالطريق مستقيم قصير ذي مطالب متيسِر أداؤها، وفي ذلك درس تربوي لمن أراد شد انتباه المحيطين وهم يتوقعون المزيد فتأتيهم نهاية غير متوقعة.
8- لما اقترن الصيام سِرِيُّ الأداء بالتقوى في قوله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون] كانت التقوى دافعة صاحبها إلى الخير وحاجزته عن الشر؛ فهو في يومه الذي يصومه معصوم بقربه من الله.
9- سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصيام يدل على أنه يسأل عن الصيام المستحب، وإِلا فإن صيام رمضان واجب، والكل ملزَم بأدائه، وفي ذلك إشارة إلى فضيلة الصيام المستحب وأنه أحد سبل رضوان الله الموصلة إلى جنته.
10- اتباع الجنائز تُذكِر بالآخرة، وفي ذلك استعداد للموت وما بعده من حساب وجزاء، وفيه كذلك الاتعاظ والابتعاد عما يغضبه -سبحانه- واستحلال مَن وقع عليه إساءة المتعِظ، وهذا من أعظم الأعمال التي ترضي رب العالمين حين يلقى العبد ربه وقد بذل وُسعه في تنقية نفسه.
11- إن تَفَقُد أحوال عباد الله ولا سيما في طعامهم المبقي على حيواتهم من جلائل الأعمال المنجية والمربحة للجنة: [فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنة فقد فاز]، أولم يقُل سبحانه كذلك: [إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا].
12- في عيادة المريض دليل ناصع ساطع على تواد المؤمنين وتراحمهم، وفيه تخفيف عما يجده المريض من ألم ووحشة بُعده عن إخوانه وتَبرُمه من عجزه عن القيام بما يقدر عليه نظراؤه، وفيه عون له على تقَلُب الأحوال، ويحصل فيه الدعاء له بالشفاء وتذكيره بفضل الصبر، أفلا يكون بعد ذلك كله من طرق الجنة؟، أولم يصح في صحيح مسلم عن ثوبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: [عَائدُ المريض في مَخْرَفة الجنة حتى يرجع]، والمخرفة الجنة: بستانها.
13- في إطعام المستطعم وعيادة المريض براءة للمحاسَب وكَسْب له يوم القيامة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تَعُدْني! قال: يا ربِّ، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!، قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تَعُدْه! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده! يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا ربِّ، كيف أُطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تُطعمه! أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي!]... الحديث، رواه مسلم، وما شأنك برجل فعل ما يُبَرئه عند رب العالمين في يوم الحساب؟، ومن مقتضياته أن الفعل جزاؤه الرضا ومَن رضي الله عنه أرضاه، وهل من جزاء رضا الله الرحمن الرحيم أعظم من الجنة؟.
14- اجتماع هذه الأعمال في اليوم الواحد التي تدل على التقوى واستحضار الموت ومراعاة أحوال العباد فيها ما يعمر الدنيا والآخرة، وفيها ما يوثق عرا الدين؛ فأخلِق بمن فعل ذلك كله أن يفوز بالجنة.
15- في الحديث استحباب تحفيز العالِم أو الأستاذ أو المسؤول مَن حوله وتذكيره إياهم بجزاء مَن أحسن عملا؛ حيث تتحقق الفائدة التي بها تستمر قوة الأمة وتعظُم وينتفع استعداد الأفراد ومبادرتهم إلى المسابقة في الخير: [وفي ذلك فليتنافس المتنافسون].
16- من فضل الله على أمة الإسلام الوسط ذات الخيرية ورحمته إياها أن المجيب عن كل أسئلته -صلى الله عليه وسلم- واحد وهو أبو بكر الصِديق -رضي الله عنه- الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وعونا؛ لتأتي الحقيقة الطيبة والمآل الأعلى لمن اجتمعت فيه هذه الأعمال الصالحة؛ إذ لو تعدد المجيبون؛ ما كانت لتصلنا هذه المكرمة؛ ولكن الله غني كريم.
17- أبو بكر الصِديق ثاني اثنين -رضي الله عنه- وصاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فائز بهذا التقدير العلني في ذلك اليوم المسؤول فيه، ومَن في مثل إيمان أبي بكر -رضي الله عنه- حائز الأوليات المباركات؟.
18- مع عِظَم مكانة أبي بكر الصِديق -رضي الله عنه- ودأبه على العبادة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار لأمته أعمالا قليلة سهلة يطيقها أكثر الناس، وفي ذلك لا عذر لمدعي التقصير أو مَن يظن أن الجنة بعيدة عنه؛ فلله؛ ما أسعد عابد في يوم وُفِق إلى تلك الأعمال فقِبلها الله منه، أو قبضه وهو عليها دائب ابتغاء وجه ربه، ههو طريق الجنة؛ فأين السالكون الماضون على خُطا الصِديق رضي الله عنه؟: [أولئك الذين هَدى الله فبهداهم اقتده].
19- ولْيُعلَم أن هذا ليس الطريق الأوحد إلى الجنة؛ فكم من عمل يقود صاحبه المخلص لربه الماضي وِفق نهج نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلى الجنة، حتى المرأة التي قد لا يتسنى لها بعض هذه الأعمال وفقها الله إلى أعمال أخرى ترضيه -سبحانه- عنها وتكون لها الجنة برحمته تعالى، وإن كل مَن عجِز عن عمل من هذه الأعمال ودعا الله أن يوفقه إليها فادخر الله -سبحانه- دعوته إلى يوم القيامة؛ فإن الله الذي اطلع على السرائر لن يحرمه أجر العامل بهذه الأعمال، ومن فضل الله علينا ورحمته أن نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- لم يحدد طبيعة يوم يُصام؛ أن يكون في صيف أو شتاء، ولا قدْر الطعام الذي تعطيه مسكينا، ولا مسافة اتباع جنازة أو مكان وجود مريض يُزار، فالأمور يسيرة على مَن يسره الله، وقد كثُر خير الله الرحمن الرحيم القائل: [ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون]
والله -تعالى- أعلم.
اللهم: وفقنا جميعا إلى ما يرضيك، وثبِتنا على الحق إلى أن نلقاك وأنت راض عنا، واجعلنا من أهل الفردوس الأعلى من الجنة بغير حساب.
كَتَب المستفادات: أبو الليث عبد العزيز بن صالح الحَسنيُّ الزَهْرانيّ.
في مكة ضحى الجمعة 9/11/1445 هـ 17/5/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق