المتابعون

الخميس، 16 مايو 2024

طريق الجنة اليومي

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة».  [رواه مسلم].


ههي ذي استفاداتي من هذا الحديث العظيم:
1- حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تَفَقُد أحوال صحابته رضوان الله عليهم؛ ولا سيما الإيمانية؛ أوليس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلم الناس الخير.
2- في حرصه -صلى الله عليه وسلم- على صحابته -رضوان الله عليهم- دليل على رحمته بأمته: [بالمؤمنين رؤوف رحيم]؛ إذ إن هذا الحرص لا يقف عند عهد الصحابة؛ بل يمضي إلى أن تقوم الساعة؛ لأن هذا الحديث ستكثر روايته ويُعلَم بالضرورة أن الخير عام دلنا عليه خير الأنام؛ والحمد لله.
3- ترغيبه -صلى الله عليه وسلم- في الأعمال الصالحة باستخدام السؤال البادئ حوارا مثيرا والمشتمل على الأعمال الصالح من أفضل طرق إكساب الخبرات التربوية بأسلوب أكثر قُربا وتَحبُّبا، وفي ذلك درس مهم للمعلمين في التمهيد لما يرغبون إكسابه طلابهمة.
4- النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سأل وجب على مَن لديه الجواب أن يجيب؛ فطاعته -صلى الله عليه وسلم- من طاعة الله، قال تعالى: [من يطع الرسول فقد أطاع الله].
5- جواز المبادرة بالجواب على سؤال ولي الأمر إذا سأل عمن قام بعمل صالح وإن تعددت السؤالات أو سكت الحاضرون وأن ذلك ليس من الرياء؛ إذ إن أبا بكر الصِديق -رضي الله عنه- لم يعلن عن عمله حتى سئل.
6- تكرار كلمة اليوم في كل سؤال يسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على يُسر العمل على مَن وفقه الله إليه، وفيه بشارة لمن أراد الجنة أن الطريق إليها ممهد.
7- في سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- بِتْكرار مَن مسبوقة بحرف الفاء ثم تعليقه -عليه الصلاة والسلام- على اجتماع هذه الأعمال دليل على حب الخير لأمته؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم- يستزيد من فضائل الأعمال السهلة رغبة في الوصول بصاحبها الموفَق إلى نيل الجائزة الكبرى، ولا أحسب صحابته -رضي الله عنهم- الجالسين حوله -صلى الله عليه وسلم- إلا مصغين ومتشوقين إلى المزيد؛ ليفاجئهم -عليه الصلاة والسلام- برسم نهاية سعيدة لالطريق مستقيم قصير ذي مطالب متيسِر أداؤها، وفي ذلك درس تربوي لمن أراد شد انتباه المحيطين وهم يتوقعون المزيد فتأتيهم نهاية غير متوقعة.
8- لما اقترن الصيام سِرِيُّ الأداء بالتقوى في قوله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون] كانت التقوى دافعة صاحبها إلى الخير وحاجزته عن الشر؛ فهو في يومه الذي يصومه معصوم بقربه من الله.
9- سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصيام يدل على أنه يسأل عن الصيام المستحب، وإِلا فإن صيام رمضان واجب، والكل ملزَم بأدائه، وفي ذلك إشارة إلى فضيلة الصيام المستحب وأنه أحد سبل رضوان الله الموصلة إلى جنته.
10- اتباع الجنائز تُذكِر بالآخرة، وفي ذلك استعداد للموت وما بعده من حساب وجزاء، وفيه كذلك الاتعاظ والابتعاد عما يغضبه -سبحانه- واستحلال مَن وقع عليه إساءة المتعِظ، وهذا من أعظم الأعمال التي ترضي رب العالمين حين يلقى العبد ربه وقد بذل وُسعه في تنقية نفسه.
11- إن تَفَقُد أحوال عباد الله ولا سيما في طعامهم المبقي على حيواتهم من جلائل الأعمال المنجية والمربحة للجنة: [فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنة فقد فاز]، أولم يقُل سبحانه كذلك: [إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا].
12- في عيادة المريض دليل ناصع ساطع على تواد المؤمنين وتراحمهم، وفيه تخفيف عما يجده المريض من ألم ووحشة بُعده عن إخوانه وتَبرُمه من عجزه عن القيام بما يقدر عليه نظراؤه، وفيه عون له على تقَلُب الأحوال، ويحصل فيه الدعاء له بالشفاء وتذكيره بفضل الصبر، أفلا يكون بعد ذلك كله من طرق الجنة؟، أولم يصح في صحيح مسلم عن ثوبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: [عَائدُ المريض في مَخْرَفة الجنة حتى يرجع]، والمخرفة الجنة: بستانها.
13- في إطعام المستطعم وعيادة المريض براءة للمحاسَب وكَسْب له يوم القيامة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تَعُدْني! قال: يا ربِّ، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!، قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تَعُدْه! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده! يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا ربِّ، كيف أُطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تُطعمه! أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي!]... الحديث، رواه مسلم، وما شأنك برجل فعل ما يُبَرئه عند رب العالمين في يوم الحساب؟، ومن مقتضياته أن الفعل جزاؤه الرضا ومَن رضي الله عنه أرضاه، وهل من جزاء رضا الله الرحمن الرحيم أعظم من الجنة؟.
14- اجتماع هذه الأعمال في اليوم الواحد التي تدل على التقوى واستحضار الموت ومراعاة أحوال العباد فيها ما يعمر الدنيا والآخرة، وفيها ما يوثق عرا الدين؛ فأخلِق بمن فعل ذلك كله أن يفوز بالجنة.
15- في الحديث استحباب تحفيز العالِم أو الأستاذ أو المسؤول مَن حوله وتذكيره إياهم بجزاء مَن أحسن عملا؛ حيث تتحقق الفائدة التي بها تستمر قوة الأمة وتعظُم وينتفع استعداد الأفراد ومبادرتهم إلى المسابقة في الخير: [وفي ذلك فليتنافس المتنافسون].
16- من فضل الله على أمة الإسلام الوسط ذات الخيرية ورحمته إياها أن المجيب عن كل أسئلته -صلى الله عليه وسلم- واحد وهو أبو بكر الصِديق -رضي الله عنه- الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وعونا؛ لتأتي الحقيقة الطيبة والمآل الأعلى لمن اجتمعت فيه هذه الأعمال الصالحة؛ إذ لو تعدد المجيبون؛ ما كانت لتصلنا هذه المكرمة؛ ولكن الله غني كريم.
17- أبو بكر الصِديق ثاني اثنين -رضي الله عنه- وصاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فائز بهذا التقدير العلني في ذلك اليوم المسؤول فيه، ومَن في مثل إيمان أبي بكر -رضي الله عنه- حائز الأوليات المباركات؟.
18- مع عِظَم مكانة أبي بكر الصِديق -رضي الله عنه- ودأبه على العبادة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار لأمته أعمالا قليلة سهلة يطيقها أكثر الناس، وفي ذلك لا عذر لمدعي التقصير أو مَن يظن أن الجنة بعيدة عنه؛ فلله؛ ما أسعد عابد في يوم وُفِق إلى تلك الأعمال فقِبلها الله منه، أو قبضه وهو عليها دائب ابتغاء وجه ربه، ههو طريق الجنة؛ فأين السالكون الماضون على خُطا الصِديق رضي الله عنه؟: [أولئك الذين هَدى الله فبهداهم اقتده].
19- ولْيُعلَم أن هذا ليس الطريق الأوحد إلى الجنة؛ فكم من عمل يقود صاحبه المخلص لربه الماضي وِفق نهج نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلى الجنة، حتى المرأة التي قد لا يتسنى لها بعض هذه الأعمال وفقها الله إلى أعمال أخرى ترضيه -سبحانه- عنها وتكون لها الجنة برحمته تعالى، وإن كل مَن عجِز عن عمل من هذه الأعمال ودعا الله أن يوفقه إليها فادخر الله -سبحانه- دعوته إلى يوم القيامة؛ فإن الله الذي اطلع على السرائر لن يحرمه أجر العامل بهذه الأعمال، ومن فضل الله علينا ورحمته أن نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- لم يحدد طبيعة يوم يُصام؛ أن يكون في صيف أو شتاء، ولا قدْر الطعام الذي تعطيه مسكينا، ولا مسافة اتباع جنازة أو مكان وجود مريض يُزار، فالأمور يسيرة على مَن يسره الله، وقد كثُر خير الله الرحمن الرحيم القائل: [ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون]

والله -تعالى- أعلم.

اللهم: وفقنا جميعا إلى ما يرضيك، وثبِتنا على الحق إلى أن نلقاك وأنت راض عنا، واجعلنا من أهل الفردوس الأعلى من الجنة بغير حساب.


كَتَب المستفادات: أبو الليث عبد العزيز بن صالح الحَسنيُّ الزَهْرانيّ.

في مكة ضحى الجمعة 9/11/1445 هـ 17/5/2024

الاثنين، 12 يونيو 2023

نضال VS سوريا

🇸🇾🇸🇾🇸🇾

نضال VS  #سوريا  :

🇸🇾🇸🇾🇸🇾

#نضال_الأحمدية ، تلك الإعلامية التي لا تكف عن إثارة الجدل؛ إما بالتهكم على فنان أو سياسي، وإما بكشف أسرار تزعم أنها قادرة على انهيار عدوها، وإما برفع قضايا على كل مَن ينتقدها، هكذا الكثير من أنصاف الإعلاميين -وإن طال عمرهم في المصلحة-؛ إلا أنهم ينهارون إذا انحسرت الأضواء عنهم!.
الأحمدية تمتلك إذاعة ومجلة وقناة ميتة تحت اسم "جرس"؛ ودأبت على نفث سمومها عبر هذه النواقل؛ لكن أحدا لم يعبأ بها بعد أن عرفوا أهم قاعدة للعب معها وهو التجاهل وليس شيء غيره.
ظهرت علينا الأحمدية بتصريحات شديدة العنصرية عبر لقاء أجراه معها #وليد_عبود في موقع "صوت بيروت إنترناشنال"؛ قالت فيها: إنها تكره اللاجئين، وإنهم غير مثقفين، فلا يحسنون قول"بونجور"، وسبق لها أن طلبت من عامل سوري "شوكالامو"، وأبدت تضايقها من كل شيء يتعلق بوجودهم!.
لقد دانت الأحمدية نفسها بنفسها، وأبى الله إلا أن يكشف حالها حتى لمحبيها:
🇸🇾🇸🇾🇸🇾
1- تعتز بعروبتها، ثم تتنكر لأبسط فضائل العروبة منذ الجاهلية وهي الكرم وإغاثة الملهوف!.
2- ما هذا التفكير ذو الجهل المركب الذي يحصر الناس في كلمة: "بونجور"؟!، وهي دليل على غلبة المحتل؛ فمن المعروف في علم الاجتماع أن المحتل يورث اللغة للبلد التي احتلها، وتبقى اللغة دليلا على تأثُر وقبول المحتلين لمن احتلهم وإن جلوا عن أرضهم.
3- ألهذه الدرجة بلغ بالأحمدية سخافة ثقافتها وصفاقتها بأن حصرت كل علوم الدنيا والآخرة بالشوكالامو؟!، أهذا مبلغها من العلم والإعلام؟!، ثم لِمَ نفترض صدقها فيما ادعته؟!؛ لعلها -إن صدقت- نطقت الشوكلامو خطأا أو أن السوري لم يسمعها جيدا، وهب أنه لا يعرفها؛ هل نطرد السوريين من #لبنان  ؛ لأن أحدهم لا يعرف الشوكالامو؟!
4- إن نضال التي ليس لها من اسمها نصيب في قلوب العرب والبشر المنصفين أكدتْ حقيقة جديدة هي: "أقرب طريق إلى عقل نضال هو معِدتها"!، وهكذا نستفيد من نضال نضال أنها برّأت معشر الرجال!.
5- لن أدخل في مهاترات سياسية وتأريخية تتعلق باستضافة السوريين للبنانيين إبان حربهم الأهلية وإسهام #سوريا  الملحوظ في مسْك الأمن وحفظ توازن القوى والرعب بين الأجنحة المسلحة والسياسية على الأرض اللبنانية؛ ولكن أرغب في الإشارة إلى أن أشد الناس عداوة للوجود السوري المسلح سابقا فضلا عن اللاجئين لم ينحدروا إلى مثل هذا التفكير في سبب كراهية السوريين!.
🇸🇾🇸🇾🇸🇾
#سوريا  وإن اختلفنا مع نظامها كثيرا؛ لكن اللاجئين هم ضحية حسابات متباينة ولا ذنب لهم فيما آلوا إليه، ووقت الأزمات لا تُختبَر الثقافات بقدر ما تتجلى الفضائل، وعلى أية حال؛ فإذا لم يكن غير العنصرية مركب؛ فما حيلة بعض أنصاف الإعلاميين المتخبطين في البحث عن بصيص ضوء إلا التعلق بها وليس ركوبها.
🇸🇾🇸🇾🇸🇾

كتبه أبو الليث عبد العزيز بن صالح الحَسني الزهراني.

عصر هذا اليوم الاثنين 23/11/1444 هـ، الموافق 12/6/2023

الجمعة، 15 يوليو 2022

نِعْمَ الفَهْمُ

أحد أصدقائي يعمل معلما في بلد عربي أخبرني أنه كان مع مدير المدرسة وقت الفسحة، فرأى المدير أحد الطلاب وقد طال شعره، ناداه ووجه بأن الأفضل أن يقص من شعره، لم يعترض الطالب؛ لكن لما قفل راجع صديقي المدير بحجة أن هذه النصائح قد لا تلقى صدى عند بعض الطلاب وقد لا يعين وابل التعليمات على فرضها، فأجابه المدير بهدوء: يا فلان "فليغرسها".
يا الله!؛ ما هذا الاستدلال العجيب؟، يقينا أن استدلاله ليس وليد اللحظة؛ بل هي قيمة منيرة متجذرة في قلب هذا المربي الذي شاء أن يكون أبا رحيما قبل كونه مديرا نمطيا.
أشار المدير بجوابه إلى الحديث الذي أخرجه أحمد عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها).
المسؤولون -من حيث علموا أو لم يعلموا- وفقوا إلى اختيار هذا المدير الذي لا يكتفي بتوجيه الطلاب؛ بل يسعى إلى إكساب زملائه المعلمين قيما أحسب أن المنظرين عاجزون بسفسطاتهم أن يوصلوها، فهم المدير من عبارة "فليغرسها" منهج عمل تربوي يقوم على أن كل قيمة من قدوة أو كلمة طيبة هي في فكر صاحبها فسيلة تطلب الغرس حتى وإن قامت قيامة المنادين بفوضوية تحرر الجيل؛ فلا بد أن تجد هذه الفسيلة أرضا خصبة.
الفسيلة صغيرة النخلة الأكثر بركة ونماء وعطاء، تأخذ القليل وتمنح الكثير، قيمة غرسها المدير سوف يتعدى أثرها إلى أجيال من الطلاب والمعلمين والآباء وكل من سمع عن موقفه، "فليغرسها" غرست في هذا المعلم أملا في خيرية الأمة ونشاطا في التوجيه وحكمة آمرة بالمعروف بمعروف

صاحب الشنطة

بثت الإذاعة المصرية مسلسلا مقدمته الغنائية تتكرر فيها عبارة: صاحب الشنطة، وبالمناسبة؛ فالمصريون يتوسعون في إطلاق لفظ الشنطة حتى على الأكياس.
اسم صاحب الشنطة الإذاعية حمزة، وهو يوافق اسم صاحب الشنطة المعني من حيث عدد الحروف وأحدها، تمتد حكاية زميلي صاحب الشنطة إلى ما قبل 41 عاما ونحن في الصف السادس الابتدائي.
امتلك الزميل شنطة دبلماسية بها أرقام سرية، كان فرحا بها؛ فليس بيننا من يملك مثلها غيره؛ لكن زميلي كان يؤلف رقما سريا لشنطته ثم ما يلبث أن ينساه، كم أمضى ساعات الليل في البحث عن رقم الشنطة؛ مبتدئاا ب000 ثم 001 وهكذا حتى 999، هو وحظه.
ثم يبشرنا صباحا أنه عرف الرقم، ولا أدري هل يغيره أم يبقيه؛ لكن الأعجب أنه أيضا ما يلبث أن ينساه، ثم يعود إلى حاله ساهرا الليالي، وكم مرة صحوت ليلا لأسمعه يدحرج الأرقام فأرق لأرقه.
أي رقم صعب اخترعه فكان مآله النسيان؟ ولم لم يفكر في رقم يشبه مثلا سنة ميلاده أو عدد أفراد أسرته أو رقم هاتف يستخدمه كثيرا؟ ومع تكرر هذه المأساة؛ لم لم ينته عن استخدام الأرقام أو يبدل الشنطة بأخرى غير ذات أرقام كيلا تحدثه نفسه بإعادة تأليف رقم آخر؟
ثم إن الزميل كان في الصف معي؛ فما الأشياء الثمينة جدا التي يخشى عليها السرقة أو الضياع؟ ولم تكن السرقة متفشية بيننا، أما الضياع فمتصور؛ مع أنه كان يضع أثمن ما يملك وهو المصحف التونسي بخط برايل الذي آنذاك لم يملكه أحد غيره على طاولته؛ إن كان ولا بد؛ فلم لم يحضر خزانة تتسع لمجلدات المصحف ال6 الضخمة؟، لعل الخزائن كانت ممنوعة

جورج النجار!!!

الحديث عن جورج النجار وليس يوسف النجار.
كنت في مكالمة معايدة مع أحد أصدقائي العرب، ونحن نتداول بعض أحكام الطهارة؛ قال: هذه الأمور يعرفها حتى جاري جورج النجار.
وأضاف أن جورج أخبره أنه قرأ تفسير ابن كثير معلقا على قراءته بقوله: إن الذي ينظر في كتبكم لا ينظر في أحوالكم. يقصد جورج أن هناك بونا واسعا بين القيم الطيبة المبثوثة في كتبنا وبين أحوالنا، ومع الإقرار لا أدري إن كان يتعجب من ديننا وتفريط بعضنا في قيمه؛ أم يشمت في حالنا؛ أم يبدي إعجابا بما لدينا من تراث؟
إن كان متعجبا أو معجبا؛ فالمنطق يرى أن الأهم هو المذهب لا الذاهبون؛ ما الذي يمنعه من الإسلام والاستزادة من هذا المعين ومحاولة التغيير؛ ولو داخل نفسه؛ كي لا يكون مثل أولئك المسلمين المفرطين؟
أما إن كان شامتا؛ فلنسأل:
ألم يعِد قومه علينا مرارا أن الله محبة وأن نعفو عن أعدائنا وأن على الأرض السلام؟؛ فلم دُقت نواقيس الكنيسة الرومانية فرحا بسقوط القسطنطينية قاعدة الأرثوذكس آنذاك؟ وما بال الحربين العالميتين نشبتا بينهم؟ ولم التفرقة العنصرية المباينة كل أصول التحضر ما زالت مستعرة في أوروبا وأمريكا؟ وما خطب روسيا إذ غزت أوكرانيا؟
ولعل جورج هذا لم يكن شامتا ولا معجبا بالإسلام؛ لكنه ردد كلاما لطالما تكرر في مشارق الأرض ومغاربها، إن طِيب ديننا تأنف منه الأنوف المريضة والغائرة، الإسلام أسرع المعتقدات انتشارا؛ لذلك فهو تحت المجهر لتشويه صورته عند الراغبين في معرفة الحقيقة ولتدمير ثقة أهله به فلا يقيموا وزنا لتراث ولا لعبادة ولا لوطن

بيتاْ طالِب!!!

قبل نحو شهر ركبت مع من يعمل بسيارته في إحدى شركات التوصيل، ولأني سبق لي الركوب معه ولاشتراكنا في الحرفة الرئيسة وهي التعليم؛ فقد روى لي موقفا مع أحد أصدقائه أثناء أدائه الميداني في التربية العملية السابقة لتخرجه في الجامعة.
قال إن ذلك المتدرب آخر الفصل الدراسي الذي شغله معلما وزع على طلابه في المرحلة المتوسطة أوراقا ورغب منهم أن يكتبوا سلبيات معلمهم المتدرب وإيجابياته بصراحة، ولتأمينهم حظر عليهم كتابة أسمائهم.
سلموه الأوراق وإذا في بعضها سخرية وبعضها ذات كلام عام؛ لكن ما لفته بيتان لأحدهم هما:
أأنت محمد أم إبتسامه،
أيا أستاذ ما هذي الوسامه.
بودي لو تدرسني حياتي،
لكي أحصل على أعلى علامه.
نقلت البيتين كما رواهما الزميل السائق؛ لكني غيرت بدء عجز البيت الأول لذكره اسم قبيلة المتدرب الذي قد يرفض أن يُعرف.
سأفترض أن الطالب لم يقتبس البيتين مغيرا اسم معلمه وقبيلته؛ لذا فإنهما على ما فيهما من مآخذ لغوية؛ إلا أن ورودهما من شخص في عمر لم يناهز الحلم ينبئ عن شاعر مُجيد، وتلقائيته بالنظر إلى أن مدة الكتابة دقائق تبشر بقريحة مستجيبة مريحة، واختيار الطالب البحر الوافر متوسط السهولة وبُعده عن بحور كالرجز والهزج والمتقارب الأكثر سهولة يعلن عن ذائقة نظم موسيقية أصيلة مطبوعة.
من البيتين يتضح أن الطالب جيد في اللغة؛ لذلك فإني أستبعد تهمة التملق، ولقد سألت الزميل السائق عن وسامة المتدرب فأخبرني أنه عادي جدا؛ وعليه فإني أحسب أن الطالب المرتاح إلى أستاذه أبصر فيه مكامن وسامة لا تدركها العيون

أنا والموسيقى

قبل أربعين عاما وأنا في الأول المتوسط؛ كان يشرف علينا في السكن الداخلي فلسطيني؛ لطالما آذاني بدنيا ومعنويا.
من جملة أذاه أننا اعتدنا بسبب منْعنا من الخروج أن نطلب من المسؤولين عن نظافة الغرف المسمَين مربين أن يشتروا لنا احتياجاتنا، في ذلك العام أوصيت أحدهم أن يشتري لي شريط موسيقى غربية، لم أحدد أي شكل موسيقي؛ فقط أي شريط.
لست من هواة الموسيقى الغربية وخاصة الكلاسيكية؛ لكن بلغ من حبي للإذاعة أن اجتهدت في جمع أشكال من الموسيقى لأسجل بصوتي برامج محاكية لها.
اعتدنا في الفترة الممتدة من قبيل المغرب إلى بُعيد العشاء أن يأتي مدير السكن، وقد يقوم بجولة على غرفنا، كان ذلك المشرف الفلسطيني قد سمع باقتنائي شريط الموسيقى، فانتظر حتى جاءنا مدير السكن وأخبره، المدير كان متدينا وهو من ناحية في بلادنا تثرب على من سمع الموسيقى؛ فما الشأن بمن دفع مالا واقتناها؟
عُرف عن المدير -رحمه الله- هدوؤه؛ لكنه لامني وكرر اللوم، وقال متعجبا ومحفزا: مثلك لا يسمع الموسيقى؛ كيف تشتريها؟
الحق أنني لم أكن أعرف أن هناك مَن حرم الموسيقى؛ فأنا ما زلت طالبا آنذاك، وقد أقيمت في معهدنا حفلات عزف فيها بعضهم على آلات وترية، وكم صدحت راديوهاتنا بأشكال الموسيقى؛ وليس من ممانع إلا لدفع الإزعاج.
ولأسأل: هل بلغ من ثقافة المشرف أن عرف رأي المدير في الموسيقى فأبدع في إيذائي؟ ولم لم ينصح لي ألا أشتري أو ينهرني كعادته؟ لم كل هذه الكراهية؟ لكن كيف لم أدق إسفينا بينهما فأقل إن المشرف عرف فلم يمنعني؛ إنه الفارق في احتراف الأذى