المتابعون

الجمعة، 11 ديسمبر 2020

تناج

في إحدى زياراتي لبنان للتدرب على أجهزة أسطر برايل الإلكترونية قبل عشرين عاما، أثناء وقت الاستراحة ظل المدرب يبغبغ بالفرنسية مع امرأة أخرى، وطالت بغبغتهما، ومع تأييدي لمن قال إن الفرنسية هي لغة البنات لكثرة الغنن اللذيذة الخارجة من خياشيمهن؛ إلا أني اغتظت جدا؛ إذ إني ازددت فوق عماي حالا أشبه بالصمم، قلت لهما: إذا كان بينكما موضوع وتكرهون أن أعرفه؛ فاطلبا مني الخروج لتأخذا راحتكما بأي لغة. الحق أنهما سكتا مشكورَين ولم يبغبغا بعد أمامي.
ما حدث هو صورة من صور التناجي المذموم المخالف حتى للذوق العام الذي جاء الإسلام ليؤكد على التحذير منه، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: [إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث]، متفق عليه. إتكيت راق منذ أربعة عشر قرنا، ولا أظن أي معتقد آخر غافلة عن تصنيف التناجي إحد أشكال الأذى؛ وإلا خالف الفطرة.
بالنسبة لنا نحن المكفوفين لا يقف التناجي عند التهامس والرطانة بلغة أخرى؛ بل كم أحسسنا بالغبن عندما تهتز أيدي اثنين مبصرين ويتضاحكان في حضور أعمى، وربما سخرا منه جهارا، أخبرني زميل لي أن موظفين في الإسكان كانا يتضاحكان أمامه، وبلغ من وقاحة أحدهما أن وضع أصبعه على صدر ذلك الزميل في دليل قاطع على أنهما يخصانه بسخريتهما، ونتهم بعدها بالحساسية المفرطة؛ فماذا يسمى مثل هذا إلا تنمرا، ويماثله التلفظ بالتهكم على أصم لا يجيد قراءة لغة الشفاه، من استطال ظلما بنعمة على مفتقد إياها؛ فلينتظر عدلا حكم المنعم عليه، الحياة ديون مؤداة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق