المتابعون

الثلاثاء، 18 مايو 2021

دوبلماسية-بدوية

في ملعب الحرة الأمريكية جرت مواجهة قصيرة بين دوبلماسية لبنان وبدوية السعودية، ولتسليط الأضواء الكاشفة على تفاصيل المواجهة؛ تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
السامع بهذا النوع من المواجهات يظنها من طرف واحد؛ إذ إنه سيتوقع دوبلماسية مثقفة راقية في التخاطب تحمل حقائق وقدرة على استيعاب المواجه ودروسا مبسطة في السياسة؛ خاصة أن ممثل تلك الدوبلماسية كان في الأستيديو ولديه كامل الوقت بعد ذهاب مواجهه لتجلية الغوامض.
شربل وهبة أو وهبي كما يحلو للبنانيين تسميته بدا متوترا في هذه المواجهة؛ كأنه لم يكن مهيأا وهو الدوبلماسي العتيق ذو الخبرة السياسية المقدرة بنحو 43 عاما، البالغ من العمر 68 عاما حيث نضوج التجربة وإزهار الحكمة المفترضة.
الوزير اللبناني لشدة توتره نسي منصبه وظن أنه في برنامج الاتجاه المعاكس، كان في إمكانه ألا يقبل بمواجهة المحلل السعودي أو أن ينسحب بدون إجابة ولا عودة تاركا حق الرد -إن وُجد- لدوائر وزارته لاحقا؛ لكن أبى الله إلا أن يفضحه.
شربل وهبي الذي يكاد يغدو ظاهرة في ساحات العالم السياسية بعمره الوزاري الذي لم يكد يكمل يومه الأول حتى غدا مستقيلا حكما باستقالة رئيس حكومته؛ بدا ظاهرة في الفشل السياسي العلني حين عجز عن استيعاب محلل سياسي سعودي، ليس هذا فحسب؛ بل عجز عن إجابة محاورته في قضايا مهمة؛ فلم يجد بدا من ترداد كلام ولي نعمته والراعي الحصري لانتمائه السياسي، وهكذا يفعل الصغار حين يلوذون بمن يظنونهم كبارا.
قبل المضي مع عته وهبة عون للبنان؛ أتوقف مع المحلل السعودي الذي تمنيت عليه أن يجيب محاورته التي سألته عن سبب تشدد المملكة مع لبنان في شحنة الكيبتاغون في حين أنها تقبض على شحنات واردة من جهات أخرى بالقول: إن الشحنات القادمة من جهات غير لبنان إما أن يرعاها أفراد أو أن تأتي من دول تشهد اضطرابات شديدة أو من دول تبدي تعاونا متميزا في كشف محاولات تهريب قبل وصولها إلى المنافذ السعودية.
تمنيت على المحلل السعودي أن يرد على رئيس دوبلماسية لبنان المخدَر حين سأله عن شخص يُزعَم أنه ضُبط مخالفا في مطار رفيق الحريري الدولي بقوله: هذا السؤال يوجَه إليكم، ثم هل تقصد أن تهريبكم للرمان المخدر هو رد على من تزعمون ضبطه؟
تمنيت على المحلل السعودي أن يجيب رئيس تلك الدوبلماسية الفاشل حين ظن أنه يعيره بمقتل جمال خاشقجي -رحمه الله- بأنه لا شأن له في هذه الواقعة السعودية المحضة، ويمكنه -إذا كان حريصا على التفاصيل- أن يسأل تركيا التي أشادت بالمملكة في تعاملها مع تلك الجريمة، ثم هل هكذا تكون الدوبلماسية؟؛ تعييرا وخلوا من أيسر سبل المتابعة الخبرية!، وليته طلب منه المقارنة بين القضاء السعودي وبلطجة القاضية غادة عون على المؤسسات المالية اللبنانية تنكيلا بالمخالفين وناكلة عن مؤسسة القرض الخبيث الكيبتاغوني حيث استنسابية من شأنها تخويف المستثمرين الدوليين.
على الرغم من إشادة المحلل السعودي بالمحاورة؛ إلا أني أجدها ظلمته في غمطه حقه ليرد على ذلك الوزير بيِّن الحقد.
عودة إلى الوزير شربل؛ فقد وصف منصبه بالمرآة، ثم جاء رد رئيسه عون ليزعم أنه بتصريحاته المسيئة إلى السعودية والخليج كان يعبر عن رأيه الشخصي؛ فمن نصدق؟، أي طرف نصدقه دليل على فشل السلطة اللبنانية.
الوزير اللبناني أجرى مقابلة خاطئة بقوله إنه يجب تحسين صورة اللبنانيين في المملكة كما يجب تحسين صورة المملكة عند اللبنانيين؛ فماذا فعلت المملكة للبنان من سوء لتجد نفسها مضطرة إلى تحسين صورتها هناك؛ لعل مساعدات المملكة التي تجاوزت منذ أكثر من 40 عاما 200 مليار دولار كانت خطأا، أو لعل استضافتها لكافة الأطراف اللبنانية عامي 1989-1990 في الطائف للخروج باتفاق يحقن دماءهم ويبني دولتهم كانت خطأا، أو لعل استقبالها لنحو 300000 لبناني يعملون في المملكة ويحولون سنويا نحو 3 مليار دولار كان خطأا، لم يكشف وهبة عون أي خطأ، والعاجز عن تحديد الخطأ مفتر.
الوزير اللبناني وصف دول الخليج دون أن يسميها بدول المحبة والأخوة والصداقة، وصفها ساخرا؛ كأن دولنا هي دول كراهية وعداوة، ثم يتهمنا بتصدير الإرهابيين إلى لبنان؛ ما مصلحة بلداننا في توتير أمن لبنان؟؛ وهي الدول التي تحملت الكثير من أجل سلام اللبنانيين داخلا وخارجا، ألم تكن المملكة داعمة للبنان في مكافحة متطرفي نهر البارد؟، ألم تدعم السعودية قوى الجيش والأمن الداخلي هناك؟، ثم مَن أعان على انتشار الدواعش في المنطقة أليس حزب الشيطان وإخوانه من الفيالق الإيرانية؟، مَن أعادهم مكرمين في حافلات مكيفة إلى جحورهم؟، وزير الدبلماسية المخدرة لم يعطنا دليلا على أي مصدر لتمويل أولئك الإرهابيين، ونسأل أيضا: مَن طرد الجيش اللبناني من البقاع والجنوب؟، ومن قتل الطيار اللبناني ميلاد النداف؟، ثم مَن تدعشن على بيروت في 8 مايو أيار 2008 الذي اعتبره ناصر الشيطان يوما مجيدا؟
وصفنا الوزير اللبناني بأننا بدو في سياق التعيير العنصري، وهنا علامة تعجب كبيرة جدا ليس من حذف القناة غير المسوغ لهذا الوصف على اليوتيوب؛ بل من جهل ذلك الواصف؛ ألا يعلم وهبي أن البداوة نمط حياة وليست عرقية؟، ثم ما تعريف البداوة في قاموسه؟؛ أحسب أنه احتراف الزراعة والرعي وسكنى بيوت الطين واستعمال مواد بدائية في الحياة العامة وانعدام الكهرباء ووسائل الاتصال الحديثة واستخدام الدواب في المواصلات، أي أنها الحياة الريفية التي كانت تعيشها حتى أوروبا، ثم إن شربل وهبي من مواليد بلدة العاقورة من أعمال كسروان عام 1953 وهي بلدة ما زال فيها بقية من تلك الحياة الريفية التي قصدها وهبي؛ فماذا يقول عن أصله؟، وكيف يعتذر من بقية الضيع اللبنانية فضلا عن عرب وادي خالد والبقاع؟
شربل وهبي الذي لا يحمل منجزات شخصية لا في تخصصه في حقل القانون ولا في عمله الدوبلماسي؛ إلا أنه لما كان سفيرا في فانزويلا بين عامي 2007 و2012 منحه رئيسها هوغو تشافيز وسام فرانسيسكو دي ميراندا من الدرجة الأولى؛ مما يدل على توجهاته المسبقة التي راقت لعون عراب عهد لبنان الجهنمية ليختاره مستشارا دوبلماسيا له ثم يمنحه ثقة خالية من ثقة نواب الشعب اللبناني ليكون وزيرة بالمصادفة؛ أراد أن يحظى بشرف الاستزلام لإيران ولو بغباء قائلا إن حزب الكيبتاغون حزب لبناني، هو بذلك يكذب حسن ناصر الشيطان الذي قال إن تمويله وسلاحه من إيران وإنه يفخر أن يكون جنديا في ولاية الفقيه.
لن نترك شربل قبل الإشارة إلى أن معنى اسمه هو ابن الحامي؛ فأي حماية حققها شربل لمواطنيه المغتربين في الخليج الفارسي كما يسميه أسياده جلاوزة ميليشيا الكيبتاغون، أو العربي كما يسميه تياره ربما تقية، إن أفضل وهبة يهبها اللبنانيين بعد فضيحة المواجهة هي انكفاؤه عن العمل السياسي؛ مع أني أخشى أن يرفض ميشال عون انكفاءه كما فُعل في رغبة انكفاء مي خريش الاستعراضية.
إذا كان لكل مواجهة حكَم؛ فإننا نرضى على غير المعتاد بحكَم من لبنان حيث الطرف الآخر، وقد كان جُل الشعب اللبناني الوفي عند مستوى الحدث سرعة وإنصافا؛ فشكرا لكل حرف اعتذار واستنكار، ولا عزاء لناعقي صحيفة الأخبار وأشباههم في اللطم على المزابل.

كتبه أبو الليث عبد العزيز بن صالح الحسني الزهراني.
في مكة، صباح الأربعاء 7/10/1442 هـ، 19/5/2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق