المتابعون

السبت، 31 أغسطس 2024

صفر واحد

واو!؛ رسالة؟!؛ أخيرا عاد هذا النت التعيس!، متى أُرسلَت؟؛ بالتأكيد؛ هي رسالة خاطئة أو عابثة؛ لكن كيف عرف اسمي بدقة، لعلها بداية مرحلة الإنكار، سأقول لمن بشرني -لو اتصل- إنك تمزح، لم يتصل أحد!، إذن  هي الكاميرا الخفية!، أو تلك الأحلام اليقِظة التي تستخف دمها!.
"عزيزي ... : تهانينا؛ فقد استحققت جائزة المليار دولار، نرجو التواصل مع إدارتنا الإقليمية لاستلام الجائزة، وشكرا"!، مليار دولار!؛ لماذا؟!، ليس لي عم في كندا، ولا عمة في أستراليا، ولا أوراق يانصيب اشتريتها في جولتي حول العالم لأتخلص من إلحاح الباعة، ولست مُسهِما في شركة بترول عملاقة تمت تصفيتها، ولا أملك ضيعة كبرى أبادتها جائحة فوجب دفع مبلغ التأمين، نعم؛ لماذا المليار؟ ولماذا أنا؟، كأني بها نمط مُحَسَّن من الرسائل الاحتيالية القديمة: "وجدتُ آثارا ثمينة جدا في أرضي، تعال ساعدني على استخراجها بتعويذة لا  تُقبَل إلا منك، ولك النصف"، "لي زوج مات في بوليفيا، وقد سرق مبلغا كبيرا وأخفاه؛ أعجبتني شخصيتك؛ فتعال أظهره؛ ولك النصف"، "تمكنت بالتعاون مع صديقي من تزييف مليارات العملات والسبائك الذهبية، وقد رشحناك بناء على قدراتك المتوسمة لتقوم بتوزيعها في غرب إفريقيا، ولك النصف" ... ، كلهم يحتاجونني ويَعدونني بالنصف!، يا لي من مهم!؛ إذن؛ لا بد من  التجاهل.
يأتي أكثر من إشعار بضرورة التوجه إلى الجهة الإدارية المولجة بتسليمي المبلغ، وأنا أواصل التجاهل؛ لا زهدا؛ بل إنكارا، وتساورني الشكوك بأن هناك مَن يترصدني وفي جهازه التنفسي مليار قهقهة قائلا وهو يسترجع أنفاسه: قول باي للكاميرا.
يحضر مندوب من الجهة المالية سالفة الذكر مؤكدا ضرورة الحضور، أطرد المندوب؛ لأنه يهزأ بي، ولا أعبأ بتسويغاته وتسويلاته.
لا أُلام؛ فالنفس البشرية تخشى المفاجآت، ولنا في ذلك الذي استلم واديا من الغنم بعدما ثمَّرَه له شخص أمين حبسَته مع صاحبيه صخرة؛ فأنجته أمانته، أما تارك حقه الذي تضاعف إلى أن أصبح واديا من غنم؛ فلم يصدق ما رآه من وفرة ماله الذي لم يتعب في تحصيله؛ بل خشي أن يكون صاحب العمل الأمين هازئا به.
ولأرجع مرة أخرى إلى حالي المترددة بين يسر الحال والثراء الباذخ بعد هبوط مليار دولار على ممتلكاتي، لا يرجع المندوب المطرود؛ بل تأتي لجنة مشَكَّلة من ثلاثة أشخاص أحدهم مدير رفيع المستوى؛ كيف لا؛ ألست مليارديرا، يقرعون الجرس مرة واحدة، فأجيب متلعثما متضجرا من عصف الأحداث والأشخاص الغرباء ، أفتح الباب؛ فإذا الأشخاص المهندمون والأصوات الخفيضة والتهنئات المنمقة، وهم يشيرون إلى سيارة فارهة ويطلبون مني؛ كأنهم يستأمرونني بالتلطف والتعطف والخروج معهم، ينتابني شعور أن القوم هم من جهة أَمنية يريدون اصطحابي إلى جهة مجهولة للتحقيق معي؛ لكنني أخوف من الخواف؛ فلساني معقود وقلب منطوٍ على حب السُلطة حقيقة لا تقية!، ثم إني لست بهذه الأهمية حتى تتلطف بي تلك الجهات؛ فلو بدَر مني شيء لا قدر الله؛ فسأساق على الرغم مني علنا في وضح النهار، تخامرني فكرة أخرى أنهم يريدون خطفي للمقايضة بمبلغ كبير نظير إطلاقي؛ ولكن مَن أنا وماذا أملك من مبلغ يُشبع هؤلاء أو أولائك؛ فيحتالوا علي وعلى أسرتي وأقربائي؟!، أتأخر عشر خطوات ولا أكاد أتقدم نصف خطوة، تبقى اللجنة على العتبة وهم صامتون ثم يتحدث كبيرهم مطَمْئنا، لا أكاد أصدق، تخرج اللجنة وتغلق الباب بهدوء شديد كي لا تؤذي أعصاب الملياردير المحْدَث.
أكاد أضرب رأسي في الجدار لكثرة التفكير بالمنطق واللامنطق!، هل حق أني امتلكت مليارا؟، هل أسأل أصدقائي وأقربائي؟، لا أستبعد إن فعلت ذلك أن يشكلوا هم لجنة أخرى لاختطافي والذهاب بي إلى مستشفى الأمراض العقلية أو النفسية؛ لا يهم، هل أبلغ الشرطة بمسلسل الأحداث منذ وصول الخبر إلي حتى ما بعد مغادرة اللجنة المهندمة؟، فلنفترض أني أبلغت؛ سيسألني الضابط عن المطلوب، هل أريد التقصي عن حال تلك الثروة أو حمايتي أو ماذا؟، حقيقة لا أدري؛ لكن الأحسن أن أنام إن استطعت ذلك.
قال أنام قال!، إنه عطاء لا ينبغي لمثلي المتردد المتوجس المتفاجئ أن يحلم به!، أستهلك عشرات فناجيل الشاي، أشربه في فنجال ليمضي مزيد وقت بين الصنع والسكب، أحس أن الكأس لا تستهلك وقتا يمضي بطيئا كأنه غيداء تحاول إغراء نصف مليونير في بلد الغربة، أتصفح كتبا؛ فلا أكاد أفهم شيئا، أفكر في تمزيق الصفحات وإراقها في الماء المغلي المعد لصنع الشاي!، أفتح التلفزيون على فيلم قديم كان يضحكني كثيرا، فأحس أنه ثقيل الظل؛ وإن كان بلا ألوان؛ فهو بلا طعم!، يحلو لي كثيرا أن أذرَع البيت بقدميَّ ذهابا وإيابا محيطا رأسي بيديَّ، رأسي الذي يرقص فيه إيقاع آلات عَد الفلوس،هكذا إلى أن أذَن الفجر، أحس بالفرح؛ فلطالما كان الصباح أكثر مواساة من الليل المفرِد.
أصلي الفجر ويكون خير، لا أدري كيف صليت ولا ماذا قلت، حسبي الله!، أرفع هاتفي ثم أضعه؛ كأنها رياضة صباحية بلهاء!، أتشجع وأتصل بأبي وأخبره، يسألني ويستعيدني فأعيد الحديث؛ ليقول بعد صمت أظنه طويل: شكلك ما صليت يا...، توضأ واغسل وجهك واستعذ بالله ولا تثقل في الأكل، ثم ينقطع الاتصال؛ لماذا انقطع؟!؛ الهاتف جيد على قِدمه، والنت راضٍ عليَّ، نعم؛ زميلي يتصل ويطلب مني إنهاء بعض الأوراق في مكتبه؛ فهو غير قادر على الحضور، أخبره بالمليار؛ فيضحك ويقول: ارقد، سأتصل بزميلنا الآخر؛ لعله أكثر تركيزا منك، لا تنسَ نصيبي في كم مليون!، ينقطع الاتصال أيضا!، ما لهذه الاتصالات هذا الصباح؟!
سأستلقي؛ أجل أستلقي، لن أذهب إلى العمل اليوم؛ فإن كانت الثروة حقيقية؛ فما حاجتي إليه؟، وإلا؛ أخذتها إجازة مرَضية، اضطرارية، خصم، لا يهم.
يصيح الهاتف، الساعة التاسعة؛ كيف مر هذا الوقت؟، لا أحس أنني ارتحت، أجيب المتصل بتململ، يُعَرف بنفسه مستعجلا الحروف، يحدثني بلهجة صارمة متلاطفة:: إذا لم تستكمل إجراءات استلام الثروة؛ فنحن لسنا مسؤولين عن مصادرتها من أي جهة، أرفض الحضور، فيعرض عليَّ معاودة زيارة تلك اللجنة شبه المطرودة والسماع منها، لِمَ لا أوافق، وما كدتُ ألفظ حروف الموافقة حتى أخبرني أن اللجنة في طريقها إليَّ!، أسأله: ما هذه الجهة؟، ولماذا أنا؟، يقطع أناي بالمقولة ذاتها: اللجنة في طريقها، لم يجبني؛ مهم يا عمي ويحق له ما لا يحق لأمثالي!؛ لكن لماذا ينقطع الاتصال أيضا!
يعود الجرس إلى صلصلته باستحياء، يجب أن أعاملهم باستخفاف وحذر؛ كما كنت وما زلت أفعل مع اتصالات الاستثمارات مجهولة المصدر، إنهم هم لم يتغيروا أو يغيروا أزياءهم وحقائبهم؛ كيف جاءوا بهذه السرعة؛ لا بد أنهم رابطوا تحت العمارة في انتظار الإشارة!.
أحدهم مدير والآخر مسؤول استثمار والثالث مسؤول علاقات عامة ومقرر الاجتماع، ثلاثة رابعهم أنا الذي لا أدري ما شأني؟!.
لم أقدم لهم حتى كأس ماء، كنت شحيحا في الترحيب والمعلومات مبذرا في الإسئلة، هي عدة الاستخفاف والحذر، اللجنة تعمل ولا تكترث؛ هي مدربة على هكذا أنماط من الشخصيات!، يسألني المدير إذا كنت قد نشرت منشورات عبر وسيلة التواصل التي يمثلها، فأبادر بالإيجاب وأسأل عن السبب؛ خشيت أن يسألني عن الرقم السري لحسابي ويوقعني في إشكال مالي أو أمني؛ فلأحذَر أكثر، يتجاهل التعليل ويسألني إن كنت قد سمعت عن مسابقة منشور المئتي تريليون؛ لم أسمع بهذه المسابقة، أسأل بتعالٍ مصطنع: اشرحها لي؛ فربما أكون قد سمعت بها، يجيب أنها جُعلت ليتنافس مستخدمو الوسيلة في النشر، ومن ينشر المنشور الذي يصل بمنشورات الوسيلة إلى الرقم مئتي تريليون؛ فسيحصل على جائزة قيمتها مليار دولار، وأنني من أوصل المنشورات إلى هذا الرقم!، قال في معاتبة هادئة: حاولت الإدارة الرئيسة والإدارة الإقليمية الوصول إليك وأُرسِل إليك عشرات الرسائل عبر الوسيلة والإيميل وسبقنا مندوب إليك؛ لكن لا استجابة، هو لم يعلم أن النت كان متعطلا؛ ومع ذلك أجبته بفوقية أني مشغول عن متابعة هذه الوسيلة أو تلك وأن علاقتي بالنشر تبدأ وتنتهي بالضغط على زره؛ المهم أين المليار؟ هاه، يجيب العضو المسؤول عن الاستثمار أن الجائزة ليست كاش؛ بل هي مجموعة أسهم في شركة الوسيلة العملاقة التي سترفعني إلى عضو في مجلس إدارتها، وأن السهم حُدِدت قيمته ب250 دولارا؛ لذلك فنصيبي هو 4 ملايين سهم، وأنه لا يحق لي التصرف فيها قبل خمس سنين، أجبته هازئا: وهل أبقى سنين شِدادا أُشبِه البقرات السمان التي يأكلها بقرات عجاف؛ وأنا أملك المليار؟؛ ماذا استفدت؟!، أجاب مسؤول الاستثمار أنني أستطيع بضمان الأسهم الحصول على قروض لشراء عقارات أو إنشاء مشاريع، قاطعته: وأتابع الاقتراض من صاحب البقالة إلى أباطرة المصارف؟، إما أن يدخل المليار كاملا الآن في حسابي أو لا حاجة بي إلى خرابيطكم هذه، تَدَخَل مسؤال العلاقات العامة باقتراح يبدو أنهم دبروه بينهم؛ إذ لم يبد على أي منهم علامات التفاجؤ، هو يقترح أن تقوم الإدارة الإقليمية بتمويل سفري إلى موقعهم الرئيس لاستكمال إجراءات استلام المليار والبحث مع كبار المدعوين إلى الحفل في سبل الاستثمار، قاطعته أيضا قائلا، هو الاستثمار ورائي ورائي، يعني لن أتفاوض معهم في بيع جزء من الأسهم أو اختصار مدة استبقاء الأسهم إلى أسبوعين على الأكثر؟، أجاب مندوب الاستثمار بالنفي الباتر، أضاف مندوب العلاقات أنني لن أتحمل في هذه السفرة إلا قيمة التنقلات ورسوم الخبراء الذين ينوبون عني في التفاوض مع المستثمرين، أما بقية المصروفات فيمكنني دفعها على أقساط؛ نعم؟؛ أقساط؟!، أقساط؟.
سكتُّ قليلا وأنا أفرقع أصابعي وأداعب شعيرات لحيتي، ثم أشرتُ إلى الباب طالبا منهم الخروج، لم يتحرك أحد؛ بل ظهرت عليهم سيماء التعجب، سألني المدير عن خطوتي المقبلة، فأجبته أنها ستكون باتجاه الباب لأغلقه بعد خروجهم؛ لا أريد المليار، المدير يندهش ويجب أن يندهش الآخران، يسألني المدير: أتعلم ما المليار دولار بالعملات الوطنية؟، يكفي أن تنظر إلى أصفاره؛ فكل صفر يطير بك لتكون نجما، أتدري كم سيكفيك ويكفي مَن بعدك؟، ما هذا الزهد أو ... لا تجعلني أكمل؟!، أجبته: قُلها:  ما هذا الغباء؟!، عادي، هكذا أنا، لا تعنيني أصفار المليار ولا حتى الألْف ما لم تكن حاضرة في قبضتي كما لا يهمني معرفة أصفار التريليون، الذي أفهمه أن صفرا واحدا أستطيع تجاوزه ستُنزِلونني عنه إن أنا استجبت لكم؛ على أية حال لا تقلقوا وطمئنوا إدارتكم الرئيسة وراء البحار أنني وإن لم أتابع ردة فعل العالم بسبب حماقتي هذه؛ لكن إذا استيقنت من صحة الجائزة؛ فسأحضر كلبة وليدة من الشارع وأربيها وأسميها "مِلْياْ" وسأوصي علنا لها ولأولادها بكامل المليار المبتسر  بعد تسييله وخصم الضرائب والمصروفات النثرية والإدارية ومقدار تحرك سعر السهم وأجور الخبراء والمحامين.

كتبها: أبو ليث عبد العزيز بن صالح الحسني الزهراني.
مكة، مساء السبت 27/2/1446هـ، 31/8/2024

الثلاثاء، 6 أغسطس 2024

عصفورة مصر

🇪🇬🇪🇬 🐦🐦

المتأمل في أحاديث شعب #مصر الحبيب المتداولة يجدهم لا يتداولون الكائنات مثل بقية الشعوب #العربية فقط؛ بل إن لهم استخدامات أخرى لبعض الكائنات تميزوا بها عن غيرهم؛ كدأبهم في مغايرة مجاوريهم إيجابيا.
من ذلك استخدامهم في تعبيراتهم لهذا الكائن الصغير اللطيف!
🐦🐦
هم يستخدمون العصفور في تداولاتهم على المقاهي وفي الشارع ومكاتب العمل بطريقتين مُشتَهَرتَين:
🐦🐦
الأولى: لوصف الموظف أو العامل أو أي شخص بين مجموعة أشخاص يرأسهم كبير؛ هذا الشخص ينقل أحاديث أصدقائه إلى ذلك الكبير؛ رئيسا كان أو وزيرا أو مديرا أو ناظر مدرسة أو معلم في ورشة؛ فهُم يصفونه بالعصفورة؛ لأنه يطير بالكلام إلى مَن هو أعلى منه، وليس بالضرورة أن يكون إبلاغه في سبيل الوقيعة بشخص؛ لكن هكذا هو اعتاد أو هكذا رضي بالتكليف، ولا يحظى هذا الموصوف بالعصفورة بين الكل بأي تقدير؛ بل إن بعض المحيطين به يتعمدون إيصال كلام إلى الكبير عن طريقه بالاتفاق بينهم في غياب العصفورة ثم يبثونه ليسمعهم فيطير به إلى سيده وتصل الرسالة، الموصوف بالعصفورة مكشوف مكشوف؛ لأن الكبير يتخذ قرارات بناء على بلاغاته الأشبه بالنعيق لا التغريد!
🐦🐦
الطريقة الأخرى: لصرف العامة الذين قد يكبرون ليكونوا الشعب عن أي إشكال كبير أو قضية مهمة وإلهائهم بأمر تافه لتجنُّب أي ردة فعل غير محمودة العواقب؛ فهذه الملهاة هي العصفورة؛ كأن شخصا يركز في أمر ما ويوشك أن يتخذ في شأنه قرارا فيقول له الملهي الحامل ملهاة: "بُص العصفورة"، فيُحَدِّق فيها وينسى ما كان عليه؛ إنها -وإن بدت- طائرا صغيرا؛ إلا أنها مع البروبغندا تغلب أكثر الهموم مهما كبرت!، بذلك تبدع الهيئات المعنية بتوجيه الرأي العام المصري في صرف الشعب حيث يريدون، والعصفورة الملهية ليست على شكل واحد؛ بل تختلف؛ فمرة فضيحة أخلاقية لأحد المشاهير، أو الكشف عن مؤامرة، أو الاحتفال بإنجاز وتضخيمه، أو إشاعة وفاة أو مرض شخصية مهمة... الخ، وتبقى العصفورة ماثلة أمام الأذهان وعاطفة الشعب تنصرف إليها، وبالمناسبة؛ فإن العصفورة الملهية ليست أسطورة؛ بل يعرفها البدو؛ ولا سيما رعاة الغنم؛ إذ إن هناك طائرا يعرض -عادة- لرعاة الغنم فيصرفهم عن مهمة حفظ القطيع، الطائر يسميه البدو عندنا: "ملَهِّي الرعيان"، يأتي الطائر فتتابعه أعيُن الرعاة المبتدئين الصغار؛ ليفاجأوا بضياع شاة أو هجوم ذئب أو إصابة خروف صغير!
عودة إلى مصر الحبيبة لأؤكد أن معينهم في تعبيراتهم الشعبية لا يكاد ينضب سواء كان تلميحا أو تصريحا، وتبقى عصفورتهم شاهدة على إبداعاتهم وإن تضررت براءتها.
🐦🐦
وقبل مغادرة أفق العصفورات؛ فلنتخابث ونجمع بين العصفورتين في غير الحلال، ولنتخيل هذه الأقصوصة:
شركة كبرى في أي بلد يعمل فيها الآلاف من متوسطي الدخل، يرغب أصحابها المتمولون البرجوازيون أن يوفروا أكثر ويخفضوا مرتَّبات العاملين، الخبر صادم جدا؛ لذلك تنتشر إشاعة قوية بأن مجموعة من أعضاء مجلس إدارة الشركة ظهرتْ لهم فضائح مالية وأخلاقية تودي بهم إلى السجن وقريبا ستظهر أدلة هذه الفضائح بالأسماء، ههي ذي العصفورة الأخرى، وهنا تبدأ المنافسة في حوار المكاتب والطرقات واستراحات العمل بين الحالة الاقتصادية القادمة بالسلب وبين ترقُّب أدلى الفضائح؛ مَن الغالب، الجواب في تقرير العصفورة الأولى!
🐦🐦

كتبه محب مصر: أبو الليث عبد العزيز بن صالح الحَسني الزهراني.
مكة، ليلة الأربعاء 3/2/1446 هـ، 7/8/2024

الاثنين، 29 يوليو 2024

دولة أعظم

سؤال قد لا يبدو مُهما:
أي دولة في آخر قرن ونصف من الزمان هي الأعظم؟
الجواب من وجهة نظري:
🇷🇺
نعم #روسيا؛ بقومياتها المتعددة وبمساحتها الأوسع عالميا.
كانت دولة قيصرية فضعُفت قليلا، وفي متاهات ذلك الضعف توسعت وانتصرت على الدولة العثمانية.
ثم جاء البلاشفة واحتلوا دولا في آسيا والبلطيق وشكلوا الاتحاد السوفيتي.
وفي مطلع تسينات القرن الماضي؛ تفكك هذا الاتحاد وسقطت الشيوعية وضعفت روسيا قليلا؛ لكنها نهضت وشكلت دول الكومنولث الروسي واحتلت شبه جزيرة القرم وجزءا من #أوكرانيا وأثرت في سياسات الدول المجاورة، فباتت روسيا البيضاء -مثلا- تابعة لها وإن بدت مستقلة، وهكذا الحال بالنسبة لكازاخستان، كما أثرت على المشهد السياسي في دولة كانت تباعة للاتحاد السوفيتي هي جورجيا ومشكلتها في إقليم أبخازيا.
وما أن يهل العقد الثالث من هذا القرن حتى تشكل روسيا مع الصين محورا ينز عجُل آيات الاستعظام من أمريكا كيف لا؛ أليست روسيا هي الأدرى بدواء هيمنة أمريكا؛ فقد تحالفتا في الحرب العالمية الثانية، ثم تنافستا في الفضاء والمجال النووي ولم تستسلم روسيا مع قلة الإمكانات؛ بل انتصرت بأيدي الفيتناميين وأخافت العالم بنصب صواريخها في كوبا؟
🇷🇺 روسيا التي فقدَت إبان الاتحاد السوفيتي تجمُّع الكوميكون الاقتصادي الذي ضم دولا شيوعية لم تستسلم؛ بل أكدت حنكتها الاقتصادية فأسست منظمة البريكس وبدأ كثير من الدول ذات الاقتصاد الناهض تعمل على الانضمام إلى هذه المنظمة، كما تعاونت مع أوبك ووجهت أسعاره لمصلحتها، وعلى ذِكر التجمعات؛ فإن روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي فقدت أيضا حلف وارسو السياسي العسكري؛ لكنها احتلت أجزاء من أوكرانيا ولم يفعل الناتو شيئا، روسيا استثمرت لصالحها الخلافات الأمريكية الأوروبية وضغطت بغازها على أنفاس الدول المجاورة ووقفت وحدها لا تحتاج إلى حلف ظاهر.
روسيا بذكرى احتلالها سوفيتيا أفغانستان؛ وهي وإن تدخلت سلبيا في المشهد السوري، وإن قمعتْ حالات الانفصال في جمهورية الشيشان؛ لكنها استوعبت كثيرا من الشارع المسلم بوقوفها مع #فلسطين وبدعمها لمكافحة الإسلاموفوبيا وبدعوتها إلى عدم إلصاق الإرهاب بالإسلام وبمحاولتها حلحلة جمود الاقتصاد الإيراني المتأثر بالعقوبات الاقتصادية وبدعمها لدولة مثل #الجزائر ترغب في الانفكاك من تأثير المستعمر الفرنسي.
🇷🇺 روسيا ناجحة في التقاط كل دولة إفريقية انتفضت على الاستغلال الفرنسي؛ فأقامت الشراكات الاقتصادية الاستثمارية معها، روسيا نجحت من الساحل السوري في الوصول إلى المياه الدافئة، روسيا ناجحة حتى الآن في إعادة مجد الاتحاد السوفيتي من البوابة الأوكرانية ومن تدخلها المستمر في الوضع السياسي للدول المحيطة وفي تهديدها لأمن دول مثل بولندا، روسيا نجحت باعتراف الساسة الأمريكيين في التأثير على الانتخابات، كان ذلك واضحا في عام 2016؛ ليشهد العالم أعجوبة حكم الأسرة الواحدة ثم الحزب الواحد ثم بوتين الواحد بمدى تأثيرها في مسار سيادة دولة تمثال الحرية حيث الأكثر من حزب والأكثر من رجل!
وعلى الرغم من أن روسيا تقاطعها اقتصاديا الولايات المتحدة ودول أوروبية وعلى الرغم من خوضها حربا في أوكرانيا وعلى الرغم من الهزة الخطيرة التي سببتها انتفاضة قوة فاغنار؛ إلا أن اقتصادها ما زال ينمو وتعاونها العسكري وجد له أسواقا جديدة خاصة في الهند وإيران ودول عربية، روسيا باتت كلمتها مسموعة أكثر بسياستها الباراغماتية واستغلالها لعثرات أمريكا الجمهورية والديموقراطية.
🇷🇺🇷🇺 على أية حال؛ فالأيام ما تزال تكشف لنا عن مزيد من الدأب الروسي والتلون والتفنن في اكتساب نقاط القوة في عالم مضطرب؛ كلما شهد تقلبات مفاجئة؛ خرجت منه روسيا رابحة؛ كأنها تعرف مسبقا قواعد اللعبة أو كأنها هي التي وضعت اللعبة من الأساس، روسيا حالة جديرة بالدراسة عنوانها: التقدم وإن تقهقر العالَم.

كتبه: أبو الليث عبد العزيز بن صالح الحَسَني الزهراني.
مكة، ليلة الأربعاء 25/1/1446 هـ، 31/7/2024

الأحد، 21 يوليو 2024

أمنية يقظ

إذا طفق أحدنا يتمنى علناً ما يُتَصوَر في حق غيره ممكنا وفي حقه مستحيلا؛ يقال له باستنكار: لا تفتأ تعيش في أحلام اليقظة.
وما أكثر ترداد الوعود بين المحبين في أشكال أحلام وردية!؛ فتقلبها يد النكول روتينا اعتادته كل قصة حب.
وترى المحللين النفسيين يرصدون مؤشرات حياة الإنسان المنعكسة على واقعه من خلال أحلامه؛ فيخرجون على الكل بنظريات فرويدية تزيد الحال صداعا.
في المقابل وفي المنام أيضا يفجؤنا الأفاكون بانتحال معرفة المستقبل من نافذة الأحلام أو الرؤى كما يخدعون الناس بهذه التسمية لإفراغ جيوبهم وعقولهم.
ولا يدفع أحدنا إلى البحث عنهم والاستسلام لأطماعهم إلا الانفعال بكوابيس قد لا تتكرر إلا بأفكار طويلة أو أكلة ثقيلة.
الكابوس المفرد من الكَبس أي الضغط على جسد النائم أو نفسه والذي يصل إلى الجاثوم الرابض على الصدر ويكاد يمنع التنفس، والكابوس في أكثر صوره مَشاهد مزعجة متداخلة مشوشة يكرهها النائم مختومة بصراخه المكتوم أو بكائه المؤقت، ثم يكون استيقاظ راسم نهاية سعيدة لوصلة الرعب السابقة.
إن الكابوس هو السيناريو المعبوث بإخراجه والمطروح أمام المُشاهد النصاب المدفوع له ليخرج صاحبه بكلمة طيبة أو يقلب ما في الكابوس من مصايب على عدو صاحب السيناريو الذي لا يُدرى ماذا أضاف إليه.
ويبقى أحدنا في سلام يقَظي ما اقتصرت مشكلاته على أحلام لا يرضاها وهو نائم إلى أن يتلقى داهية دهياء يصفَرُّ منها وجهه قبل أن تستيقظ أنامله لتصفرَّ منها هي الأخرى.
هنا يتمنى المصاب أن يكون في كابوس فيستدعي أنامله المصفرة ليقرص ربما أطرافه المرتعشة ووجهه المصفر؛ لعله لا يحس بألم القرصة إلا بالاستيقاظ المعلن تلاشي الداهية.
إن الكابوس هنا يبيت مع صاحبه أشهى إليه من أحلى حلم، ذلك العرَض الذي فر منه نائما يتمناه متوترا مستنكرا واقعه؛ فيا لَلّه؛ كيف أصبح الكابوس حلُما ورديا أشبه بأمنية يقظ وبطوق نجاة ينتشل المستكبس من أرض التكليف إلى ارتفاع القلم!

كتبه أبو الليث عبد العزيز بن صالح الحَسني الزهراني.
ليلة الأحد 15/1/1446 هـ، 21/7/2024

الثلاثاء، 4 يونيو 2024

هل التأخر خير؟

ما فتئ هؤلاء وأولئك يتداولون مقولة هي:
"أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي".
ومع رفضي ختم المقولة بكلمة "أبدا" كما يرددها بعضهم لعدم فائدتها؛ إلا أنها بالتأبيد وبغيره تثير أفكارا أحسب أنها تخالف المعتاد، منها:
1- يبدو أن مطلق المقولة شخص أضناه الانتظار فاستعذبه وقد لا تعنيه الكرامة كثيرا؛ فهو ينتظر الآتي وليتأخر كما يشاء؛ فالترقب سيد الموقف وهو في كل الأحوال يفْضُل كثيرا اليأس من المجيء، وصاحبنا يتأخر ويتدلل كما يشاء!
2- فلنترك الكرامة قليلا ولنسأل متنزِّلين: قبلنا بمبدأ التأخر؛ ولكن كم مدته؟، وهل تختلف المدة باختلاف أهمية الوعد أو أحد طرفيه؟، مَن له الحق في تقدير المدة؟ أم أن مدة التأخر المعقولة المقبولة مهملة أيضا؟
3- المقولة لا تنطبق فقط على طرفي الوعد؛ بل تتعدى ذلك إلى ما يجب على أحدنا فعله على الفور أو ما له أجل مسمى وما يجب أداؤه في ظروف طارئة؛ ولكن لما كان الوعد هو الأكثر تفشيا في علاقات البشر وهو الأكثر تأثرا بفحوى المقولة؛ استحق التركيز؛ فهو أهم تطبيقاتها.
4- إن مستمرئي التأخر في أي مجال يوجب المبادرة يرون أن أهميتهم لا تلحظ ما لم يتأخروا فتتبين البشرية النقص بدونهم، ولو علموا حمَلة عقدة النقص هذه ما في الإيفاء في وقته؛ لتلذذوا واستمتعوا حقا بحلاوة الإنجاز.
5- ولكل متأخر أتى؛ هَب أن شخصا وعد آخر بالمجيء، ثم تأخر الواعد كعادته ثم جاء وقد قُتل الموعود أو سُرق، يا للهول!، بالتأكيد لن ينفعه التأخر ولا المقولة، وسيصرخ في سجنه متحسرا مختلطا: ليتني لم أتأخر، ليتني لم آتِ.
6- هل المقولة صحيحة على إطلاقها؟، هب أن مريضا في حالة خطرة استنجد أهله بطبيب منعدم المسؤولية، أتى الطبيب وقد مات المريض، يلومه أهل الميت فيردد الطبيب المقولة!، أظن أن الطبيب لن يخرج من البيت سالما، وقُل مثل ذلك في المطافئ والمولجين بمكافحة الجريمة والأوبئة.
7- وعلى أية حال؛ فإن المقولة تعطي فضيلة للتأخر ليفقد المنتظر إحساسه بمرور الوقت ويبدع الواعد في تبديد الأوقات، كأن الزمن لم يكن، وقصارى همة الواعد اعتذار يوجب القبول، وعلى الموعود ألا يدقق في فحوى هذا الاعتذار الشكلي.
8- ومَن يكون هذا الذي نعُد إتيانه فضيلة؟!، إنها مقولة جعلت للمتلاعبين بمصائر الأحداث قيمة، المشكلة لا تكمن في تقييم المتلاعبين فحسب؛ بل تتعدى ذلك إلى اجتراح ممارسة روتينية ترفع العتب، هقد أتى الباشا، وإياك أن تتفوه بكلمة؛ ألا يكفيك مجرد الإتيان؟
9- أكثر من ذلك؛ فقد يأتي الواعد متأخرا كما سمحت له المقولة فيجد الموعود ذهب إلى بعض شأنه، وهنا تقع الواقعة؛ إذ إن من حق هذا المتأخر المتدلل أن يقرع الموعود؛ إذ عليه الانتظار ولو إلى قيام الساعة بحجة أن الإتيان قد يحدث مهما طال التأخر، والانتظار فرض عين، يا لَانقلاب الأمور!
10- أين تلك الخيرية في التأخر إذا شُفع عدم الإتيان بالاعتذار وإطلاق سراح الموعود حيث يشاء، هذه المقولة ليست دقيقة ولا تقيم وزنا لأي اعتذار حتى عن عدم المجيء.
11- قد يقول أحدهم: إن المقصود بالمقولة إدراك طرف من فضائل المجيء المتأخر خير من تضييع كل شيء. ما هذه القناعة السلبية، أما كان الأجدر بنا أن يحفز بعضنا بعضا على اغتنام كل الخير والمسارع إلى إدراك المجد وأن التأخر يفَوِّت الكثير، لِمَ لا نثرب ونجعل المتأخر يندم ونرفع من شأن هذا الذي عرف للوفاء معنى وزمانا حقه، يا لها من مقولة مظلمة!
12- وقد يقول آخر: إنها تحارب القنوط؛ فقد يمضي امرؤ في أمر -وإن تأخر- ثم يدرك أن الطريق طويل أو أن سابقيه كُثر فينكل عن المضي. سبحان الله!؛ ومتى كانت البدايات تأخُرا؟، إن مجرد الاقتناع والانطلاق إلى أي فضيلة هي هداية ممنوحة وُفق إليها المرء، وبلوغ النهاية بيد الله؛ فلا علاقة بين ما يورده بعضهم وبين هذه المقارنة العجيبة في المقولة.
13- وبناء على النقطة السابقة؛ فإن مفهوم المقولة يخيرنا بين سلبيتين: التأخر لأي سبب ولو بغير عذر وعدم المجيء، يا للعجب!، أما لنا حظ في الإيجابية ولو بمقولة توجه مجتمعنا إلى أن يقدر بعضهم أحوال بعض؛ إذ لا تخلو العلاقات الاجتماعية من واعد وموعود.
14- لو أن الإهمال كان السمة الرئيسة بناء على ما تحث عليه المقولة؛ فإن من حق الموعود ألا ينتظر واعده؛ فهو لديه شؤونه، وهنا تنعدم الثقة في المجتمع؛ فالأصل بات أن يقول أحدهم ما لا ينوي فعله.
15- مع أنه لا يثبت لدي أصل للمقولة؛ إلا أن تكرارنا إياها في سوق تسويغ الأخطاء يؤكد ما يذهب إليه أعداؤنا من أن العرب لا يُعنَون بالوقت؛ في حين أن دين العرب الغالب وهو الإسلام وقَّت للعبادات، والعرب عُرفوا منذ الجاهلية باحترام وعودهم؛ إذن المقولة تشكل ضوءا أخضر لمن أراد النيل منا، ونحن نستمتع بتأكيدها بممارساتنا!
16- وأخيرا؛ فلنتخيل أن هذا الذي اعتاد التأخر والتشدق بهذه المقولة معدومة الفائدة؛ لو أن أحدهم فعلها معه وتأخر؛ فهل يطيب له أن تطرق المقولة أذنه، أم أنه مطرب لا يلذ له إلا سماع صدى صوته وتفاعل الحاضرين إيجابيا مع ما يقول؟
لو أن الأمر في يدي؛ لجرَّمْت كل من تَمَثِل بالمقولة وكل من لم ينكرها.

  كتبه: أبو ليث عبد العزيز بن صالح الحَسني الزهراني.
في مكة عصر الأربعاء 28/11/1445 هـ، الموافق 5/7/2024

الخميس، 16 مايو 2024

طريق الجنة اليومي

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة».  [رواه مسلم].


ههي ذي استفاداتي من هذا الحديث العظيم:
1- حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تَفَقُد أحوال صحابته رضوان الله عليهم؛ ولا سيما الإيمانية؛ أوليس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معلم الناس الخير.
2- في حرصه -صلى الله عليه وسلم- على صحابته -رضوان الله عليهم- دليل على رحمته بأمته: [بالمؤمنين رؤوف رحيم]؛ إذ إن هذا الحرص لا يقف عند عهد الصحابة؛ بل يمضي إلى أن تقوم الساعة؛ لأن هذا الحديث ستكثر روايته ويُعلَم بالضرورة أن الخير عام دلنا عليه خير الأنام؛ والحمد لله.
3- ترغيبه -صلى الله عليه وسلم- في الأعمال الصالحة باستخدام السؤال البادئ حوارا مثيرا والمشتمل على الأعمال الصالح من أفضل طرق إكساب الخبرات التربوية بأسلوب أكثر قُربا وتَحبُّبا، وفي ذلك درس مهم للمعلمين في التمهيد لما يرغبون إكسابه طلابهمة.
4- النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سأل وجب على مَن لديه الجواب أن يجيب؛ فطاعته -صلى الله عليه وسلم- من طاعة الله، قال تعالى: [من يطع الرسول فقد أطاع الله].
5- جواز المبادرة بالجواب على سؤال ولي الأمر إذا سأل عمن قام بعمل صالح وإن تعددت السؤالات أو سكت الحاضرون وأن ذلك ليس من الرياء؛ إذ إن أبا بكر الصِديق -رضي الله عنه- لم يعلن عن عمله حتى سئل.
6- تكرار كلمة اليوم في كل سؤال يسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على يُسر العمل على مَن وفقه الله إليه، وفيه بشارة لمن أراد الجنة أن الطريق إليها ممهد.
7- في سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- بِتْكرار مَن مسبوقة بحرف الفاء ثم تعليقه -عليه الصلاة والسلام- على اجتماع هذه الأعمال دليل على حب الخير لأمته؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم- يستزيد من فضائل الأعمال السهلة رغبة في الوصول بصاحبها الموفَق إلى نيل الجائزة الكبرى، ولا أحسب صحابته -رضي الله عنهم- الجالسين حوله -صلى الله عليه وسلم- إلا مصغين ومتشوقين إلى المزيد؛ ليفاجئهم -عليه الصلاة والسلام- برسم نهاية سعيدة لالطريق مستقيم قصير ذي مطالب متيسِر أداؤها، وفي ذلك درس تربوي لمن أراد شد انتباه المحيطين وهم يتوقعون المزيد فتأتيهم نهاية غير متوقعة.
8- لما اقترن الصيام سِرِيُّ الأداء بالتقوى في قوله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون] كانت التقوى دافعة صاحبها إلى الخير وحاجزته عن الشر؛ فهو في يومه الذي يصومه معصوم بقربه من الله.
9- سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصيام يدل على أنه يسأل عن الصيام المستحب، وإِلا فإن صيام رمضان واجب، والكل ملزَم بأدائه، وفي ذلك إشارة إلى فضيلة الصيام المستحب وأنه أحد سبل رضوان الله الموصلة إلى جنته.
10- اتباع الجنائز تُذكِر بالآخرة، وفي ذلك استعداد للموت وما بعده من حساب وجزاء، وفيه كذلك الاتعاظ والابتعاد عما يغضبه -سبحانه- واستحلال مَن وقع عليه إساءة المتعِظ، وهذا من أعظم الأعمال التي ترضي رب العالمين حين يلقى العبد ربه وقد بذل وُسعه في تنقية نفسه.
11- إن تَفَقُد أحوال عباد الله ولا سيما في طعامهم المبقي على حيواتهم من جلائل الأعمال المنجية والمربحة للجنة: [فمن زُحزِح عن النار وأُدخِل الجنة فقد فاز]، أولم يقُل سبحانه كذلك: [إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقّاهم نضرة وسرورا].
12- في عيادة المريض دليل ناصع ساطع على تواد المؤمنين وتراحمهم، وفيه تخفيف عما يجده المريض من ألم ووحشة بُعده عن إخوانه وتَبرُمه من عجزه عن القيام بما يقدر عليه نظراؤه، وفيه عون له على تقَلُب الأحوال، ويحصل فيه الدعاء له بالشفاء وتذكيره بفضل الصبر، أفلا يكون بعد ذلك كله من طرق الجنة؟، أولم يصح في صحيح مسلم عن ثوبان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: [عَائدُ المريض في مَخْرَفة الجنة حتى يرجع]، والمخرفة الجنة: بستانها.
13- في إطعام المستطعم وعيادة المريض براءة للمحاسَب وكَسْب له يوم القيامة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تَعُدْني! قال: يا ربِّ، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!، قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تَعُدْه! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده! يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني! قال: يا ربِّ، كيف أُطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تُطعمه! أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي!]... الحديث، رواه مسلم، وما شأنك برجل فعل ما يُبَرئه عند رب العالمين في يوم الحساب؟، ومن مقتضياته أن الفعل جزاؤه الرضا ومَن رضي الله عنه أرضاه، وهل من جزاء رضا الله الرحمن الرحيم أعظم من الجنة؟.
14- اجتماع هذه الأعمال في اليوم الواحد التي تدل على التقوى واستحضار الموت ومراعاة أحوال العباد فيها ما يعمر الدنيا والآخرة، وفيها ما يوثق عرا الدين؛ فأخلِق بمن فعل ذلك كله أن يفوز بالجنة.
15- في الحديث استحباب تحفيز العالِم أو الأستاذ أو المسؤول مَن حوله وتذكيره إياهم بجزاء مَن أحسن عملا؛ حيث تتحقق الفائدة التي بها تستمر قوة الأمة وتعظُم وينتفع استعداد الأفراد ومبادرتهم إلى المسابقة في الخير: [وفي ذلك فليتنافس المتنافسون].
16- من فضل الله على أمة الإسلام الوسط ذات الخيرية ورحمته إياها أن المجيب عن كل أسئلته -صلى الله عليه وسلم- واحد وهو أبو بكر الصِديق -رضي الله عنه- الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وعونا؛ لتأتي الحقيقة الطيبة والمآل الأعلى لمن اجتمعت فيه هذه الأعمال الصالحة؛ إذ لو تعدد المجيبون؛ ما كانت لتصلنا هذه المكرمة؛ ولكن الله غني كريم.
17- أبو بكر الصِديق ثاني اثنين -رضي الله عنه- وصاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فائز بهذا التقدير العلني في ذلك اليوم المسؤول فيه، ومَن في مثل إيمان أبي بكر -رضي الله عنه- حائز الأوليات المباركات؟.
18- مع عِظَم مكانة أبي بكر الصِديق -رضي الله عنه- ودأبه على العبادة؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- اختار لأمته أعمالا قليلة سهلة يطيقها أكثر الناس، وفي ذلك لا عذر لمدعي التقصير أو مَن يظن أن الجنة بعيدة عنه؛ فلله؛ ما أسعد عابد في يوم وُفِق إلى تلك الأعمال فقِبلها الله منه، أو قبضه وهو عليها دائب ابتغاء وجه ربه، ههو طريق الجنة؛ فأين السالكون الماضون على خُطا الصِديق رضي الله عنه؟: [أولئك الذين هَدى الله فبهداهم اقتده].
19- ولْيُعلَم أن هذا ليس الطريق الأوحد إلى الجنة؛ فكم من عمل يقود صاحبه المخلص لربه الماضي وِفق نهج نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلى الجنة، حتى المرأة التي قد لا يتسنى لها بعض هذه الأعمال وفقها الله إلى أعمال أخرى ترضيه -سبحانه- عنها وتكون لها الجنة برحمته تعالى، وإن كل مَن عجِز عن عمل من هذه الأعمال ودعا الله أن يوفقه إليها فادخر الله -سبحانه- دعوته إلى يوم القيامة؛ فإن الله الذي اطلع على السرائر لن يحرمه أجر العامل بهذه الأعمال، ومن فضل الله علينا ورحمته أن نبيه محمدا -صلى الله عليه وسلم- لم يحدد طبيعة يوم يُصام؛ أن يكون في صيف أو شتاء، ولا قدْر الطعام الذي تعطيه مسكينا، ولا مسافة اتباع جنازة أو مكان وجود مريض يُزار، فالأمور يسيرة على مَن يسره الله، وقد كثُر خير الله الرحمن الرحيم القائل: [ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون]

والله -تعالى- أعلم.

اللهم: وفقنا جميعا إلى ما يرضيك، وثبِتنا على الحق إلى أن نلقاك وأنت راض عنا، واجعلنا من أهل الفردوس الأعلى من الجنة بغير حساب.


كَتَب المستفادات: أبو الليث عبد العزيز بن صالح الحَسنيُّ الزَهْرانيّ.

في مكة ضحى الجمعة 9/11/1445 هـ 17/5/2024

الاثنين، 12 يونيو 2023

نضال VS سوريا

🇸🇾🇸🇾🇸🇾

نضال VS  #سوريا  :

🇸🇾🇸🇾🇸🇾

#نضال_الأحمدية ، تلك الإعلامية التي لا تكف عن إثارة الجدل؛ إما بالتهكم على فنان أو سياسي، وإما بكشف أسرار تزعم أنها قادرة على انهيار عدوها، وإما برفع قضايا على كل مَن ينتقدها، هكذا الكثير من أنصاف الإعلاميين -وإن طال عمرهم في المصلحة-؛ إلا أنهم ينهارون إذا انحسرت الأضواء عنهم!.
الأحمدية تمتلك إذاعة ومجلة وقناة ميتة تحت اسم "جرس"؛ ودأبت على نفث سمومها عبر هذه النواقل؛ لكن أحدا لم يعبأ بها بعد أن عرفوا أهم قاعدة للعب معها وهو التجاهل وليس شيء غيره.
ظهرت علينا الأحمدية بتصريحات شديدة العنصرية عبر لقاء أجراه معها #وليد_عبود في موقع "صوت بيروت إنترناشنال"؛ قالت فيها: إنها تكره اللاجئين، وإنهم غير مثقفين، فلا يحسنون قول"بونجور"، وسبق لها أن طلبت من عامل سوري "شوكالامو"، وأبدت تضايقها من كل شيء يتعلق بوجودهم!.
لقد دانت الأحمدية نفسها بنفسها، وأبى الله إلا أن يكشف حالها حتى لمحبيها:
🇸🇾🇸🇾🇸🇾
1- تعتز بعروبتها، ثم تتنكر لأبسط فضائل العروبة منذ الجاهلية وهي الكرم وإغاثة الملهوف!.
2- ما هذا التفكير ذو الجهل المركب الذي يحصر الناس في كلمة: "بونجور"؟!، وهي دليل على غلبة المحتل؛ فمن المعروف في علم الاجتماع أن المحتل يورث اللغة للبلد التي احتلها، وتبقى اللغة دليلا على تأثُر وقبول المحتلين لمن احتلهم وإن جلوا عن أرضهم.
3- ألهذه الدرجة بلغ بالأحمدية سخافة ثقافتها وصفاقتها بأن حصرت كل علوم الدنيا والآخرة بالشوكالامو؟!، أهذا مبلغها من العلم والإعلام؟!، ثم لِمَ نفترض صدقها فيما ادعته؟!؛ لعلها -إن صدقت- نطقت الشوكلامو خطأا أو أن السوري لم يسمعها جيدا، وهب أنه لا يعرفها؛ هل نطرد السوريين من #لبنان  ؛ لأن أحدهم لا يعرف الشوكالامو؟!
4- إن نضال التي ليس لها من اسمها نصيب في قلوب العرب والبشر المنصفين أكدتْ حقيقة جديدة هي: "أقرب طريق إلى عقل نضال هو معِدتها"!، وهكذا نستفيد من نضال نضال أنها برّأت معشر الرجال!.
5- لن أدخل في مهاترات سياسية وتأريخية تتعلق باستضافة السوريين للبنانيين إبان حربهم الأهلية وإسهام #سوريا  الملحوظ في مسْك الأمن وحفظ توازن القوى والرعب بين الأجنحة المسلحة والسياسية على الأرض اللبنانية؛ ولكن أرغب في الإشارة إلى أن أشد الناس عداوة للوجود السوري المسلح سابقا فضلا عن اللاجئين لم ينحدروا إلى مثل هذا التفكير في سبب كراهية السوريين!.
🇸🇾🇸🇾🇸🇾
#سوريا  وإن اختلفنا مع نظامها كثيرا؛ لكن اللاجئين هم ضحية حسابات متباينة ولا ذنب لهم فيما آلوا إليه، ووقت الأزمات لا تُختبَر الثقافات بقدر ما تتجلى الفضائل، وعلى أية حال؛ فإذا لم يكن غير العنصرية مركب؛ فما حيلة بعض أنصاف الإعلاميين المتخبطين في البحث عن بصيص ضوء إلا التعلق بها وليس ركوبها.
🇸🇾🇸🇾🇸🇾

كتبه أبو الليث عبد العزيز بن صالح الحَسني الزهراني.

عصر هذا اليوم الاثنين 23/11/1444 هـ، الموافق 12/6/2023